شجرة الأرز الخالدة

أن الله زرع بيده أرز لبنان، لهذا يُطلق عليه اسم أرز الرّبّ، كما يُطلق على لبنان لقب موطن الرّبّ على الأرض.

أرز لبنان يحمل أبعاداً روحية وتاريخية عميقة. فهو شكّل “لباس” هيكل سليمان، وقصره الملكي دعي “بيت غابة لبنان”، لانه كان ايضا من الارز.  بكل بساطة، كان “الغنيمة الفاخرة” المبتغاة، شرقاً وغرباً، توق ملوك يهود وفراعنة مصر وغزاة من بلاد ما بين النهرين.

اوصاف رائعة كثيرة أُعطِي في الكتاب المقدس، و75 مرة ذُكِرَ اسمه في العهد القديم.ان النبي حزقيال (17/22-24) قدم نبوءة مسيحانية بوصف المسيح الملك بـ”الارز الجديد”

للأرز في الكتاب المقدس “مكانة شرف” لم تمنح لأي شيء آخر. “لقد تفوق على بقية انواع الاشجار، ولا اي صنف آخر يضاهيه” والأرز بمثابة توأم للبنان في الكتاب المقدس، . “لا يمكن ان نبتر لبنان عن الارز، والمقصود  بلبنان جبل حرمون، الجبل الابيض. الارز هو سمته المميزة، وقد اكسبه نوعا من الجاذبية الفريدة”. تاريخيا، يعود ذكره الى الحقبة ما بين حيرام ملك صور والملك داود. “يخبرنا سفر صموئيل الثاني (5/11) كيف ارسل حيرام رسلا الى داود، وخشب أرز ونجارين ونحاتين ليبنوا بيت داود.

“سفر الملوك الاول (6/9- 10، 6/15-34) يصف بوضوح كيف اكمل الملك سليمان بناء الهيكل، و”كان كل شيء ارزا، ولم يكن يُرَ حجر”. حتى انه كان هناك مذبح من أرز في قدس الاقداس، الغرفة التي فرزها سليمان في قلب الهيكل ليضع فيها تابوت العهد، رمز سكن الله بين شعبه”. ويبيّن الكتاب ايضاً ان الملك سليمان استخدم الارز فقط لبناء قصره الملكي (1 ملوك 7/2-3)، “من الارض الى السقف”، وجعل رواق عرشه مصفحا ايضاً بالارز، “من الارض الى السقف” (1 ملوك 7/7).
“هيكل سليمان هو نموذج الهندسة الفنيقية الفخمة. وكان القصر الملكي غنياً جداً بالارز، الى درجة انه اطلق عليه بيت غابة لبنان (1 ملوك 7/2، 10/17، 2 اخبار 9/16-20)”.

هذا “الذهب” البني كان ايضا محط مطامع غزاة من الغرب والشرق امروا بقطعه: مع الاكاديين من بلاد ما بين النهرين، “وتحديداً مع الملكين سرجون (2400-2200 ق.م) واكادي، ومع المصريين: تحتمس الثالث (١٤٥٧)، سيتي الاول (1818)، رعمسيس الثاني (1297)، وتيغلت فلاسر الاول (1114). ويضاف الى اللائحة الملك الاشوري اشور نصير بال (883)، وسنحريب الاشوري (2 ملوك 18/13-19 و37، اشعيا 36)، واسر حدون الاشوري (680)”.
وتتسع سلسلة الملوك الغزاة لاسماء اخرى، وكان الارز غنيمتهم الفاخرة “التي كانوا يتباهون بها” حتى ان اسطورة غلغامش تضمنت ذكراً للأرز. “البطلان انكيدو وغلغامش اخذا الارز ليصنعا منه بابا لهيكل نيبور في بلاد ما بين النهرين”.

على مر العصور، اقترن الارز بطابع القدسية، وتفيض المزامير بشتى الاوصاف العاكسة له. “تشبع اشجار الرب، ارز الرب الذي غرسه”، يقول المزمور 104/ 16، . وفي المزمور 148/9،  يشارك الارز في تسبيح الرب: “سبّحيه ايتها الجبال وجميع التلال الشجر المثمر وجميع الارز”.
وفي اشعيا (40/16)، تبرز صورة “محرقة الارز الجبارة لتليق بالله”، احتفالا بالعودة واعادة ترميم الهيكل. ويخبر سفر اللاويين (14/4-6-49-51-52) عن استخدام الكاهن خشب الارز، الى جانب مواد اخرى، في رتبة التطهير، في حال شفاء ابرص.

ويذهب ايضاً كتاب المدراش (اي تفسير الكتاب المقدس) لدى اليهود الى تأكيد قدسية الارز، “بالقول ان العالم لم يكن يستحق استخدامه، ويجب فرزه للهيكل فقط”. اضافة الى كل ذلك، كان الاقدمون يقدمونه ذبيحة الى الآلهة. “بحرقه، كانت تنساب رائحة عطرة كالبخور، بمثابة احتفالات تطهير. وهذا البعد التطهيري للارز يحمل طابعاً مقدساً ايضاً” .

في المعاني الرمزية الاخرى للأرز، هناك “النوعية الممتازة”. وعندما تتغزل الحبيبة بحبيبها (في نشيد الاناشيد) بقولها: “طلعته كلبنان، انه يمثل النخبة، كما الارز بالنسبة الى سائر الاشجار”، لأن “الارز يُظهِر جمال الحبيب وعظمته وفرادته”، تقول ابي عاد. “وبهذا الوصف، الحبيب هو الابهى بين سائر البشر، تحفة نادرة في عيني حبيبته. ويعيش الأرز على الجبال، فان ذلك يرمز الى الارتفاع والسمو والمجد”.

كان توق الملك يواقيم (ارميا 22/14-15) الى مسكنه، ليخلد ذكراه به. وفي نشيد الاناشيد (1/17)، “يتماثل الحبيبان بالآلهة من خلال سكنهما مثلها في بيت من ارز”، . كذلك صنع الملك سليمان لنفسه تختاً من خشب لبنان (نشيد 3/9)، “بما يدل الى الفخامة التي كان الارز يُقرَن بها”. وتضاف ايضاً الى الصفات “الصلابة والدفاع والحماية” (نشيد 8/9).

وينضم البعد الرمزي للارز الى الرمزيات السابقات: الرائحة العطرة دائما (نشيد 4/11). ويشبّه هوشع (14/6-8) صلابة الشعب التائب بالجذور العميقة للارز. “ارز الرب كان مضرب عظمة”، “البار كالنخل، ومثل ارز لبنان ينمو” (مز 92/13)، بما يرمز الى “الاستقامة والنزاهة”. وتقرن الحكمة نفسها بالارز: ارتفعت كالارز في لبنان” (يشوع بن سيراخ 24/13)، بما يجعله رمزا لها. وهناك ايضا رمزيات “المهابة” (يشوع بن سيراخ 50/8)، و”التعالي والتفاخر” (2 ملوك 14/9، قضاة 9/8-15، حزقيال 27/5)…

اجمل وصف للارز ورد في سفر حزقيال (31). ولكن مع كل هذه العظمة التي كانت له، يبقى “الخالق” فوقه. “صوت الرب يحطم الارز، يحطم الرب ارز لبنان”، يقول المزمور 29/5. “فرغم الصلابة والعلو اللذين تتمتع بهما شجرة الارز، فانه لا يمكن ان تتحدى الخالق”. ويشبّه ايضاً اشعياً (2/13، 9/9، 10/33-34، 14/8) سقوط العظماء “بسقوط الارز”، بقدر ما كان رمزاً للعظمة، للابهة..

هالة حمصي

Leave a comment